يستضيف المتحف الوطني للفن في العاصمة الرومانية بوخارست معرضاً بعنوان «دراكولا ــ حاكم ومصاص دماء»، في محاولة لرد الاعتبار لإحد أكثر الشخصيات شهرةً في تاريخ السينما والأدب والتي اقترن اسمها بمصّ الدماء وممارسة الوحشية، ويوضح المعرض أصل هذه الأسطورة التاريخي.
يستمرّ المعرض الذي افتُتح قبل أيام حتى 10 أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، إذ ستضيء أسطورة دراكولا رحلة تاريخية يقوم بها زوار المعرض إلى منطقة وحقبة تتّسمان بالوحشية والسحر على حدّ سواء. وينقسم المعرض إلى أربعة أقسام، أولها يحكي تاريخ دراكولا، الذي يعني اسمه «ابن الشيطان»، حاكم إقليم ترانسيلفانيا الذي واجه في القرن الخامس عشر الاجتياح التركي لأوروبا، وكان موصوفاً بتعامله العنيف مع المسؤولين الفاسدين واللصوص. بينما يتناول القسم الثاني عبر اللوحات والأغراض الحربية، المعارك بين المسيحيين والمسلمين في جنوب شرق أوروبا، حيث أهدرت الاشتباكات بين العثمانيين والأوروبيين الكثير من الدماء، فضلاً عن نزوح الأشخاص تجاه الحدود آلاف المرات.
أكّدت المسؤولة عن المعرض «الدراكولي» مارغو روخ أن دراكولا حكم منطقة الفالاشيك، أي الجزء الجنوبي من رومانيا الحالية، بقساوة غير أن عنفه لم يكن يزيد أو يقل عن عنف الآخرين من الحكام في تلك الفترة، أما سبب شهرته السيئة فقد أعادتها إلى وقوعه ضحية لدعاية سيئة نفّذتها أوروبا الغربية في القرون الوسطى. أشارت روخ إلى أن هذه الدعاية قد اتهمته بقتل 80 ألف شخص وأنه كان يتلذذ بحرق وتقسيم وطبخ وتعليق الجلد وانتزاعه من أجسام خصومه السياسيين والأسرى الأتراك والمجرمين والمواطنين العاديين، غير أن العدد بحسب رأيها لا يتوافق والوقائع لأن الثمانين ألفاً يشكّلون نصف عدد سكان المنطقة التي كان يحكمها.
«دراكولا» شخصية حقيقية وليست أسطورية، حكم المنطقة التي تمثّل الآن جنوب رومانيا في عام 1448 وبين عامي 1456ــ 1462 وفي عام 1476، أما الفترة التي اعتُبرت الأكثر دموية في تاريخ حكمه فكانت بين عامي 1456-1462.
شدّت شخصية دراكولا الكاتب البريطاني برام ستوكير لكتابة رواية عنه، وكذلك بعض كتاب السيناريو الأميركيين، فسينما هوليوود أنتجت عنه بين عامَي 1930 و1960 سبعة أفلام وقدّمته كمصاص للدماء وكحاكم متعطّش لسفك الدم.
على أن رواية «دراكولا» للكاتب الإيرلندي أبرهام ابتدعت شخصية جوناثان هاركر، السمسار اللندني الذي سقط ضحية لدراكولا في قلعته بإقليم (ترانسلفانيا) ثم سافر الكونت الى إنكلترا لابتياع بيت، لتبدأ القصة بخطيبة هاركر التي تحولت الى مصاصة دماء والتي تُدعى مينا موراي وصديقتها (لوسي) والدكتور جون سيوارد، والدكتور الهولندي فان هيلسنغ الخبير في مصاصي الدماء، والذي قاد القتال ضد دراكولا، ولا تزال الرواية مصدر إلهام وإبداع للكثير من ذوي الأخيلة الملتهبة. وقد استخدم أطباء علم النفس اسم دراكولا لوصف حالة الشخص الذي عانى عذاباً وقهراً وعنفاً وظلماً في صغره، أو في مرحلة بداية حياته، ثم كبر وطبّق ما مرّ به على من حوله، من دون أدنى رحمة.
في وصفه شخصية دراكولا، يقول السمسار جوناثان هاركر الذي زار الكونت في قلعته والذي بات في ما بعد سجيناً فيها: «لقد كان رجلاً غريباً... له وجه قوي، وحواجب كثيرة... وتحت شاربه الأبيض فم شديد القسوة... وأسنان بارزة بين شفتيه الحمراوين، وأذناه شديدتا البياض... ومعلقتان الى أعلى... وجلده شديد الاصفرار... وتقريباً لا تجري فيه الدماء... يداه سميكتان غليظتان قويتان... والأظافر طويلة محددة بسن بارز حاد... والشعر ينمو غزيراً في منتصف راحة اليد...».
أثناء وجوده في إحدى حجرات القلعة القديمة يروي جوناثان هاركر، الذي يعمل عند «المحامي فكنز» مشاهداته عن أول مصاص دماء قائلاً: «وبينما كان الكونت خارجاً... توقف قليلاً وحذرني من مغادرة غرفة الطعام أو النوم وعدم النوم في أي مكان آخر من القلعة... إنها قلعة قديمة... لها ذكريات عدة... وهناك أشباح تظهر لمن ينام في بعض حجراتها... لكن جوناثان خالف تحذيرات الكونت وقرر النوم في الحجرة التي كانت تعيش فيها سيدات الأيام الماضية... هناك وجد ثلاث سيدات صغيرات يرتدين ملابس بيضاء طويلة... اقتربن منه ونظرن إليه... وصفّرت الثلاث... ثم ضحكن ضحكات موسيقية مزعجة... وهزت الشقراء رأسها... وطلبت منها الاثنتان أن تبدأ وسيتبعنها».
قلعة الرعب
تقع القلعة التي ترتبط باسم دراكولا على قمة هضبة بالقرب من جبال براشوف في وسط رومانيا، وتعتبر أحد أشهر المعالم العمرانية الوطنية في رومانيا. المنطقة اكتسبت شهرة من كونها مسقط رأس الكونت الروماني فلاد تيبس، الذي عاش في القرن الخامس عشر. بُنيت القلعة عام 1212 لتكون حصناً لجماعة الفرسان التوتونيين الصليبية الألمانية. وتعود أول وثيقة مدوّنة تذكر القلعة إلى شرعة أصدرها الأمبراطور المجري لويس الأول في 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 1377 وفيها منح ترخيصاً ببنائها. ومن ثم بوشر في تشييد القلعة فعلياً عام 1378 في سياق بناء حصون تحمي بلاد الأفلاق (والاشيا، أكبر أقاليم رومانيا الحالية) من تمدّد نفوذ الأتراك العثمانيين. ولاحقاً، صارت القلعة مركز جمارك ومكوس على الطريق الواصلة بين إقليمي والاشيا وترانسلفانيا، ذلك لأن موقعها يسيطر على الخط الحدودي بين الإقليمين. ومنذ عام 1920 حولّت القلعة مقراً سكنياً ملكياً حتى إطاحة الشيوعيين بالأسرة الرومانية المالكة عام 1948. أما عن الصلة بين القلعة وأساطير مص الدماء وسفكها فتعود إلى كونها ـ كما يقال ـ لفترة ما إبان القرون الوسطى مقراً للنبيل المحلي المقاتل فلاد السفاح، علماً ألا وثائق تاريخية، يعتد بها تؤكد ذلك. فتبعاً لبعض المراجع، أمضى فلاد يومين فقط في أقبية القلعة، عندما كانت المنطقة تحت احتلال الجيش العثماني. ولكن بالنظر إلى الصلات المتضاربة بين فلاد وشخصية الكونت دراكولا الخيالية، سوِّقت القلعة سياحياً للسياح الأجانب على أنها «قلعة دراكولا».
قال رجل الأعمال من بران، يانوس سالينسكي: « قدمت إلى هنا في عام 1999. ولم يكن يوجد أي شيء عن دراكولا... وفكرت في أنه إذا كان الناس يحضرون لمشاهدة القلعة، فإنهم يرغبون في متعلقات أخرى لدراكولا». اضطلع سالينسكي بدور هام في حمل الناس على زيارة بران * وهي قرية جبلية تقليدية لا تختلف كثيراً عن عشرات القرى الأخرى هناك، فالأشياء المرتبطة بمصاصي الدماء يمكن رؤيتها وفعلها. وأشار سالينسكي الى أن «الأمور لم تكن سهلة في البداية... دراكولا يعني /الشيطان/ في اللغة الرومانية ، لذا عندما بدأت في إنشاء بيت الرعب ، لم يفهم بعض الرومانيين الأمر. وتساءلوا هل سأدير منزلا للشيطان؟»، مضيفاً أن التوتر انحسر بعد أن بارك قسيس أرثوذكسي محلي المبنى.
تحتوي بلدة بران الآن على مسرح متعدّد الطوابق يعرض أفلام رعب، ومنطقة مشاة مزدحمة، ومركز تسوق تجاري يكتظ بالبضائع التي تحمل طابع دراكولا وحفلات موسيقى الروك الصاخبة في فصل الصيف.