|| .,. الـــكارمــا .,. ||
في البوذية تسمى ''دارما'' وفي المسيحية تسمى الكارما؛
يسميها الهندوس (سانتانا دارما) والسيخ (جاينا دارما) وأصطلح على تسميتها عربيا بـ ''العاقبة الأخلاقية'' ويسميها العوام ''الحوبة'' وهي واحدة من الأفكار القليلة التي اجتمعت عليها الفلسفات اليونانية والهندية؛
والعقائد في الكتب المقدسة كما ووجدت آثار تدل على رسوخها لدى شعوب بائدة كـالـ ''الدرافيديين'' واليارسان '' والإيريانا فيـجو''..
.,. ما هي الكارما .,.
تقول الفكرة ببساطة إن لكل فعل ردة فعل كونية، وأن أي سلوك إنساني - حسن أم سيىء- يعود لصاحبه بعد فترة من الزمن - بل ويعود لذريته-
فكما تنتقل التركة المادية للورثة بعد موت قريب فإن ثمار الكارما تنتقل للأبناء أحياناً لأن صلة الدم هي العنصر الذي تصل خلاله نتائج الكارما للوريث..
فكل سعادة نثرتها في الحياة يوماً؛ تعود إليك..
وكل دمعة زرعتها في حقل الحياة الكوني؛ تسلم إليك..
بل إن الصحة والحظ ومجريات الأحداث المصرية؛ وفقاً لما شرحه ن.لازيريف في إحدى دراساته عن فلسفة الكارما عند الهندوس،
تتأثر بهذه العاقبة الأخلاقية. فجذور المرض تعود إلى خلل يصيب الأبنية الحقلية - لا العضو نفسه-
وما المرض إلا إنذار بأن الإنسان لا يسير في الاتجاه الصحيح وعليه إنقاذ نفسه..
فالذنوب والمهانات والحزن والألم الذي يسببه شخص ما بحق الآخرين،،
قد يؤلم الآخر ويسبب له التعاسة نعم، ولكنه يرتد للمسيء نفسه بصور أخرى أكثر شراسة ويهاجم جسده وحقله البيولوجي وذريته كما أسلفنا..
فالأفعال السيئة للأم - أثناء الحمل- ترسم وتحدد مصير وصحة طفلها المستقبلية..!
وفقاً للكارما، فإن الكلام السيئ عن الآخرين جدُ خطر؛ لأنه يطلق هجوماً بالطاقة على الآخرين يرتد بشكل مضاعف على الذات..
فالكارما هي - بشكل أو بآخر- قانون يعني إعادة التوازن الكوني الذي طاله خلل بسبب خطأ/ اعتداء شخص ما من خلال عدم السماح لأي شخص بالإفلات من العقاب..
ولتحذير البشر من عاقبة أعمالهم الدنيوية؛ والأخروية أيضاً.. فرغم عدم إيمان البوذيين والهندوس والسيخ بالجنة والنار إلا أنهم يعتقدون بتناسخ الأرواح؛
وأن أسلوب الحياة الحالي يحدد نوعية الحياة القادمة.. فمن يعيش باستقامة ويبذل ويعطي يكافأ بالولادة من جديد في حياة أفضل..
أما من يعيش حياة الأنانية ويرتكب الآثام فيستنسخ في جسد كائن وضيع لاحقاً..
في الكتب السماوية الفكرة ذاتها راسخة بصور أخرى.. ذكر في سفر أيوب أن ''الحارثين إثماً والزارعين شقاوة؛ يحصدونها''،
وفي مزمور قيل ''الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج''،
في القرآن الكريم ورد في سورة النساء ''إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا'' وقيل إن النبي الكريم (ص) قال لأحد أصحابه لما عزم تطليق زوجته ''إن طلاق أم أيوب لحوب'' فأمسكها..
وإن كانت تبعات ''الكارما'' في تلك الفلسفات دنيوية إجمالاً؛
فإن العاقبة الأخلاقية للأعمال - في الإسلام- تُرى في الدنيا والآخرة أيضاً..
بالمفاد فإن فكرة الكارما/العاقبة الأخلاقية تبدو أكثر الأفكار رسوخاً ورصانة في الإرث الإنساني؛
وهي فكرة نحتاج اليوم للتشبث بها لنحظى ببعض السلام في هذا العالم القاسي؛ المليء بالظلم والطغيان..